العزاء يرتبط بالموت ارتباطًا وثيقًا، وهو بذلک مبني على أساس الموت الذي لا مفرّ منه. ولما کان الأمر کذلک کان لابد من العزاء في ذلک المجتمع، الذي عُرفت فيه الألفة والمحبة والتواصل؛ لتقديم ما يمکن تقديمه من: کلام حسن، وموعظة شافية، ومودة خالصة، وحزن باکٍ إلى صاحب العزاء؛ شفاءً للغليل وتخفيف ما يمکن تخفيفه من ألم وعذاب کانا ينتابان أهل الميت حين وفاته، أو بمعنى آخر: إن العزاء هو ذلک الدواء الذي طالما کان يبحث عنه صاحب العزاء وآل بيته، فلا يجده إلا حينما يفد إليهم من يشارکهم المصيبة، ويُسلّيهم عن مُصابهم، ويُقدِّم لهم المعونة المعنوية، وربما حتى المادية في ذلک المجتمع، الذي کان من مقوّماته: الحاجة إلى تلک المعونات في مثل تلک الحال؛ ولأن الموضوع بطبيعته مفتوح على مرّ العصور التاريخية، التي لا نستطيع حصرها في هذا البحث. من ثَمَّ سيقتصر حديثنا عنه على العصر العباسي الثاني کأنموذج للمجتمع العربي الإسلامي ککل، کما سيکون الحديث عنه مشترکًا ما بين العامة من الناس، والخاصة من: خلفاء وأمراء، وولاة، وعمال، وقادة، وقضاة، ووجهاء، وغيرهم من أصحاب الشأن والسلطان